سئل ابراهيم ابن أدهم عن غاية التوكل فقال لو أن رجلا أراد أن يدعو ويحتال ... لإحياء ميت أليس يُشهد عليه بالجنون؟ قيل نعم .. قال فمن ظن أن رزقه يزيد باحتياله واكتسابه فهو إلى الجنون أقرب .. وهو مجموع في قوله تعالى:((هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم)) فهذا غاية التوكل ... قال الله عز وجل ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) والحسب هو الكافي ومن علم أنه كافيه لا يستوحش من إعراض الخلق ولا يستأنس باقبال الخلق ثقة بأن الذي قُسم له لا يفوته وإن أعرضوا عنه وان الذي لم يقسم له لا يصل إليه بحال.
وفي هذا قال بعض العارفين: إني لأستحي من خالقي أن أختبيء الرزق ... ثم قال انظر وتفكر هل دعوت الله عز وجل يوما وقلت ... اللهم لا تمتني .. اللهم لا تبعثني بعد الموت؛ لما قد وطّنت نفسك عليه .... أنّ هذا ما لا يكون .. فلم لا تلزم قلبك من اليقين بالرزق مثل ما لزمه من اليقين بالموت والبعث ... وكما لا تستطيع أن تزيد في أجلك ولا تنقص منه كذلك الرزق ... فلو هرب ابن آدم من الرزق كما يهرب من الموت لأدركه كما يدركه الموت .. سأل اللهَ الرزقَ أم لم يسأله.
واعلم أيها الأخ ان من توكل على مخلوق ووثق به .. ضيعه أحوج ما يكون اليه (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) الا ترى ما حصل يعقوب عليه السلام لما وثق بمقالة بنيه حيث قالوا (( وإنا له لحافظون)) ..... فعلى العبد أن يتوكل في جميع حالاته على ربه، فإن الله عز وجل لا يضيعه .. لقوله تعالى (( ومن يتوكل على لله فهو حسبه )) .. جعل الله بازاء كل خصلة من خصال الخير ثوابا، إلا التوكل ، جعل بازاء الدعاء الإجابة وبازاء التوبة القبول وبازاء المجاهدة الهداية وبازاء الإستغفارالمغفرة، ولم يرضى أن يجعل بازاء التوكل شيئا .. فقال (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) .... والمتوكل يخلي قلبه من الشغل ويريح بدنه من التعب ويسكن ببغيته الى خالقه، بترك التحريك والطلب ويقبل على نفسه، وبترك الهموم من طلب الدنيا .. ويعلم أن الله بالغ أمره فيحفظ قدر الخالق في قضائه .. قال الله تعالى (( إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا )).
والمتوكل أيضا لايهرب من الشدة ولا يطمع في الراحة .. فإن وصلت إليه الراحة يحمد الله وإن وصلت إليه الشدة يرضى بذلك ويكون مفوضا أمره إلى الله راضيا بقضائه عالما ألا مفر لعبد مما قضى عليه خالقه .. قال تعالى (( فاصبر لحكم ربك )) أي أرضى بقضاء ربك .. وقال بعضهم من علامة التوحيد والثقة بالموعود كثرة العيال على بساط التوكل .... فإن أردت أن تعرف حال الرجل هل يعرف الله تعالى أم لا فانظر إلى ما وعده الله تعالى وإلى ما وعده الناس بأيهما يكون قلبُه أوثق .. واعلم قطعا أنك لا تقدر أن تعطي لنفسك ولا لأهلك وولدك ما لم يعطهم الله تعالى ولا تقدر أن تمنعهم الذي رزقهم الله تعالى فإنه لا مانع ولا معطي ولا رازق ولا مالك غيره، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء .. ((له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)).
لا تنتظر الرزق إلا من الله ولا تتوكل إلا عليه ... إنما يتوكل على الله من لا يرى فاعلا سوى الله، وأن يرى الأمور كلها من الله عز وجل رؤية تقطع إلتفاته الى الأسباب والوسائط .. ومن لم يصف باطنه من رؤية الوسائط إلا من حيث أنها وسائط فحسب، فكأنه لم ينفك عن شرك خفي .. فليتق الله عز وجل في تصفية توحيده عن كدرات الشرك وشراهيته .. واعلم ان أهلك وولدك إن لم يكونوا صالحين فلا تبالي على ما وقعوا ..... كما روي أن عمر إبن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه .. قيل له انك صنعت أمورا لم يصنعها أحد قبلك انك تركت أولادك ولم تخلف لهم د ينارا ولا درهما، وكانوا ثلاثة عشر .. فقال لهم أقعدوني فأقعدوه فقال لهم أما ما ذكرتم، فإني لا أقدر أن أمنعهم الذي لهم ولا أقدر أن أعطيهم ما ليس لهم،أولادي أحد رجلين من كان منهم مطيعا لله تعالى فالله تعالى يكفيه وهو يتولى الصالحين ومن كان منهم عاصيا فلا أبالي على ما وقع
أقوال العلماء الربانيين في التـوكــــل
1. قال بعض العارفين: المتوكل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمه، كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه وتعالى
2. قال علي بن بكار: شكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة العيال، فقال له: يا أخي أنظر كل من في منزلك من رزقه ليس على الله ... فحوّله إلى منزلي
3. سئل حمدون بن أحمد القصار النيسابوري عن التوكل فقال: إن كان لك عشرة آلآف درهم وعليك فلس دين لا تأمن أن تموت ويبقى الفلس في عنقك، ولو كان عليك عشرة آلآف درهم دين من غير أن تجد له وفاء لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك
4. يقول بشر الحافي: ألا تستحيي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا .. أطلبها ممن هي بيده
5. قال وهيب بن الورد .. لو كانت السمأء نحاسا (أي لا تمطر) والأرض رصاصا (أي لا تنبت) .. واهتممت برزقي .. لظننت أني مشرك
6. أقسمت أم سعيد بن المسيّب عليه أن يسترقي من لدغة عقرب .. وكان بارا بها ... فأعطى الراقي يده السليمة كي لا يحنّثها
7. قرأ رجل على أبي قدامة الرملي "وتوكل على الحي الذي لا يموت ... إلى آخرها" ثم قال بعد كلام .. يا أبا قدامة لو عامل عبد ربّه بحسن التوكل لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم
8. وقال أبو حازم، سلمة بن دينار: وجدت الدنيا شيئين .. شيء هو لي وشيء هو لغيري .. فأما الذي هو لي فلو طلبته قبل أجله بحيل السماوات والأرض لم أقدر عليه .. وأما الذي هو لغيري فلم أصبه فيما مضى ولا أرجه فيما بقى ..... يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني ...... ففي أي هذين أفني عمري
9. عبد القادر الجيلاني: التوكل هو الخروج من الحول والقوة مع السكون إلى رب الأرباب
10. قال ابن القيم .. التوكل من أعظم الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذي الخلق وظلمهم وعدوانهم
شيررررررررررررررررررررررر
ReplyDelete